حديث شيبتني هود وأخواتها

 الحمد لله:



أولا :

هذا الحديث روي بأسانيد كثيرة ، وعلى أوجه مختلفة ، مدار هذه الأوجه كلها على أبي إسحاق السبيعي الراوي الثقة المشهور ، ولكن الوجه الذي رجحه أهل العلم من المحدثين النقاد هو الوجه الآتي :


عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عكرمة ، عن أبي بكر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .


وهذا السند منقطع ما بين عكرمة وأبي بكر رضي الله عنه ، فيكون الحديث ضعيفا .


ودليل كون هذا الوجه هو سند الحديث الذي روي به ، وأن ما عداه من الأوجه إنما هي أخطاء من الرواة : أن هذا الوجه رواه عن أبي إسحاق السبيعي ثلاثة من الثقات الحفاظ ، وهم :


1- أبو الأحوص سلام بن سليم : كما في سنن سعيد بن منصور (5/370)، ومصنف عبد الرزاق (6/151)

2- زهير بن معاوية : كما في " العلل " للدارقطني (1/204)

3- إسرائيل بن يونس : وإن كان قد اختلف عليه أيضا ، لكن أكثر أصحابه يروون عن إسرائيل حديث أبي إسحاق على هذا الوجه ، ومنهم صاحبه عبد الله بن رجاء ، وهو من المقدمين في إسرائيل ، ولذلك رجح الإمام الدارقطني هذا الوجه عنه ، كما في " العلل " (1/203) فقال : " لم يذكر فيه ابن عباس ، وهو الصواب عن إسرائيل " انتهى.


وأما الأوجه الأخرى التي رويت عن أبي إسحاق السبيعي ، فهي :


إما يرويها بعض الضعفاء أو المتروكين عنه فلا تقبل .


وإما يرويها بعض الثقات ، ولكن روايتهم مرجوحة ، لمخالفتهم من هم أوثق منهم وأكثر عددا، خاصة أن إسرائيل بن يونس كان يقول عن نفسه : كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن . وقال فيه ابن مهدي : إسرائيل في أبى إسحاق أثبت من شعبة والثوري . انظر: " تهذيب التهذيب " (1/263)


جاء في " العلل " (2/110) لابن أبي حاتم رحمه الله :

" سئل أبي عن حديث : أبي إسحاق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شيبك ؟ قال شيبتني هود . الحديث .


متصلا أصح - كما رواه شيبان - أو مرسلا - كما رواه أبو الأحوص - مرسلا .

قال : مرسل أصح " انتهى .

وقال أيضا :

" رواه شيبان ، عن أبي إسحاق ، عن عكرمة ، أن أبا بكر ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أشبههما بالصواب ، والله أعلم " انتهى.

" العلل " (2/134)


وقال الإمام الترمذي رحمه الله :

" سألت محمدا – يعني البخاري - أيهما أصح ؟ فقال : دعني أنظر فيه . ولم يقض فيه بشيء " انتهى.

" العلل الكبير " (2/371)


وقال السخاوي رحمه الله :

" قال الدارقطني - في ذكر علله واختلاف طرقه في أوائل كتاب العلل ونقله حمزة السهمي عنه - أنه قال : طرقه كلها معتلة " انتهى.

" المقاصد الحسنة " (ص/360)


وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" هذا مرسل صحيح ، إلا أنه موصوف بالاضطراب " انتهى.

" المطالب العالية " (3/342)


وقال أيضا رحمه الله :

" مضطرب ، اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي " انتهى.

" النكت على ابن الصلاح " (2/774)

وتابعه السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص/305)

والخلاصة أن الحديث فيه انقطاع ما بين عكرمة وأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فلا يمكن الجزم بصحته وهذه العلة قائمة .


ثانيا :

على فرض تصحيح الحديث وقبوله ، خاصة وأنه يتعلق بالرقائق ، وهذه الأبواب ما زال العلماء يتسَمَّحون في رواية الأحاديث فيها ، والتحديث بها ، والعمل بمقتضاها ، فأخوات سورة هود التي ذكرت في الحديث أنها شيبت النبي صلى الله عليه وسلم هي :


الواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، والتكوير .


هكذا وردت أسماء هذه السور في بعض روايات الحديث التي صححها الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الصحيحة " (رقم/955) وإن كان الأصوب الحكم بضعف الحديث .


وهناك بعض الزيادات في بعض الروايات أيضا :

سئل العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن المراد بأخوات هود في حديث : ( شيبتني هود وأخواتها ) ؟

فأجاب بقوله :

المراد بهن :

( الواقعة ، والمرسلات ، وعمّ ، والتكوير ) رواه الترمذي والحاكم .

و – زاد - الطبراني : ( والحاقة )

و – زاد  - ابن مردويه ( وهل أتاك حديث الغاشية )

و – زاد - ابن سعد ( والقارعة ، وسأل سائل ، واقتربت الساعة ) " انتهى.

" الفتاوى الحديثية " (ص/116)


يقول المناوي رحمه الله :

" ( شيبتني هود ) أي سورة هود ( وأخواتها ) أي وأشباهها من السور التي فيها ذكر أهوال القيامة ، والعذاب .

والهموم والأحزان إذا تقاحمت على الإنسان أسرع إليه الشيب في غير أوانه " انتهى.

" فيض القدير " (4/221)


والله أعلم .



المصدر : https://islamqa.info/ar/146446

لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات