حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد !

 إن التهنئة تكون على أحوال: إما أن تكون بما يُسَرُّ به المسلم مثل تَجدُّد نِعمة، أو دَفْع مُصيبة وهذا أَمْرٌ مُباح، وإما أن تكون التهنئة في أزمان مُعينة كالأعياد، والأعوام والأشهر والأيام، وهذا يحتاج إلى بَيان وتفصيل..




التهنئة بالعام الهجري الجديد

علوي بن عبدالقادر السقاف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.

أما بعد:

فإن التهنئة تكون على أحوال:

إما أن تكون بما يسر به المسلم مما يطرأ عليه من الأمور المباحة بكل ما فيه تجدد نعمة، أو دفع مصيبة، كالتهنئة بالنكاح، والتهنئة بالمولود الجديد، والتهنئة بالنجاح في عمل أو دراسة، أو ما شابه ذلك من المناسبات التي لا ارتباط لها بزمان معين؛ فهذه من الأمور العادية المباحة التي لا حرج فيها، ولعل صاحبها يؤجر عليها؛ لإدخاله السرور على أخيه المسلم، فالمباح - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (بالنية الحسنة يكون خيرا، وبالنية السيئة يكون شرا)؛ فالتهنئة بهذه الأمور تدور بين الإباحة والاستحباب.

وإما أن تكون التهنئة في أزمان معينة كالأعياد، والأعوام والأشهر والأيام، وهذا يحتاج إلى بيان وتفصيل، وتفصيله كما يلي:

- أما الأعياد - عيد الأضحى وعيد الفطر - فهذا واضح لا إشكال فيه، والتهنئة بها ثابتة عن جمع من الصحابة.

- وأما الأعوام، فكالتهنئة بالعام الهجري الجديد، أو ما يسمى رأس السنة الهجرية.

- وأما الأشهر، فكالتهنئة بشهر رمضان، وهذا له أصل، والخلاف فيه مشهور.

- وأما الأيام، فكالتهنئة بيوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، أو بيوم الإسراء والمعراج، وما شابه ذلك، والحكم فيه معروف، وهو أنه من البدع؛ لارتباطه بمناسبات دينية مبتدعة.

وكل هذه التهاني ما عدا الأول منها لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام، ولا عن أحد من السلف، مع أن موجبها انعقد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، ولم يوجد المانع، ومع ذلك لم ينقل عن أحد منهم أنه فعل ذلك، بل قصروا التهنئة على العيدين فقط.

     والتهنئة بالعام الجديد لم تكن معروفة عند السلف، لكن لما شاعت في الأزمنة المتأخرة وسئل العلماء المعاصرون عنها، اختلفوا في حكمها على أقوال:

فمنهم من منعها مطلقا، ومنهم من أجازها وعدها من الأمور العادية لا التعبدية، ومنهم من قال: لا تبتدئ التهنئة، ولا بأس بأن ترد على من هنأك وتدعو له بأن يكون عامه الجديد عام خير وبركة.

    والناظر إلى هذه المسألة يجد أن القول بالمنع يتأيد من عدة وجوه؛ فمن ذلك:

1- أنها تهنئة بيوم معين في السنة يعود كل عام، فالتهنئة به تلحقه بالأعياد، وقد نهينا أن يكون لنا عيد غير الفطر والأضحى؛ فتمنع التهنئة من هذه الجهة.

2-   أن فيها تشبها باليهود والنصارى، وقد أمرنا بمخالفتهم؛ أما اليهود فيهنئ بعضهم برأس السنة العبرية، التي تبدأ بشهر (تشري)، وهو أول الشهور عند اليهود، ويحرم العمل فيه كما يحرم يوم السبت. وأما النصارى فيهنئ بعضهم البعض برأس السنة الميلادية.

3- أن فيها تشبها بالمجوس ومشركي العرب؛ أما المجوس فيهنئ بعضهم البعض في عيد النيروز، وهو أول أيام السنة عندهم، ومعنى (نيروز): اليوم الجديد. وأما العرب في الجاهلية، فقد كانوا يهنئون ملوكهم في اليوم الأول من محرم، كما ذكر ذلك القزويني في كتابه ((عجائب المخلوقات)) (ص: 67).

4- أن القول بـجواز التهنئة بأول العام الهجري الجديد يفتح الباب على مصراعيه للتهنئة بأول العام الدراسي، وبيوم الاستقلال، وما شابه ذلك، مما لا يقول به بعض من أجاز التهنئة بأول العام، بل إن القول بـجواز التهنئة بهذه المناسبات - مع كونه خطأ - أولى؛ حيث لم يكن موجبها منعقدا في زمن الصحابة رضي الله عنهم، بخلاف رأس السنة.

5- أنه يفتح باب التهنئة بالعام الميلادي؛ لأن أكثر الدول الإسلامية اليوم -للأسف - تبتدئ عامها الجديد بعام ميلاد المسيح عليه السلام - زعموا -، وتهنئتهم بعضهم بعضا في هذه الحالة ليس لكونه عيدا للنصارى، بل لأنه يمثل العام الجديد بالنسبة لهم؛ فمن أجاز التهنئة لغيرهم بعامه الجديد، يلزمه إباحة التهنئة لهم بعامهم الجديد.

6- أن القول بجواز التهنئة يفضي إلى التوسع فيها؛ فتكثر رسائل الجوال، وبطاقات التهنئة (المعايدة)، وعلى صفحات الجرائد ووسائل الإعلام، وربما صاحب ذلك زيارات للتهنئة، واحتفالات، وعطل رسمية، كما هو حاصل في بعض الدول، وليس لمن أجاز التهنئة بأول العام الهجري الجديد وعدها من العادات حجة في منع هذا إذا اعتاده الناس وأصبح عندهم من العادات؛ فسد هذا الباب أولى.

7- أن التهنئة بالعام الهجري الجديد لا معنى لها أصلا؛ إذ الأصل في معنى التهنئة: تجدد نعمة، أو دفع نقمة؛ فأي نعمة حصلت بانتهاء عام هجري؟! والأولى هو الاعتبار بذهاب الأعمار، ونقص الآجال.

وعليه؛ فالقول بالمنع أولى وأحرى، وإن بدأك أحد بالتهنئة، فالأولى نصحه وتعليمه؛ لأن رد التهنئة فيه نوع إقرار له، وقياسها على التحية قياس مع الفارق!

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

-

"التهنئة بالعام الهجري الجديد"

https://dorar.net/article/145

✍🏻 بقلم/ علوي بن عبد القادر السقاف

المشرف العام على مؤسسة الدرر السنية

لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات