حديث: من صلَّى عليَّ واحدةً صلى الله عليه عشرًا



حديث: من صلَّى عليَّ واحدةً صلى الله عليه عشرًا

عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا))؛ رواه مسلم.

تخريج الحديث:

الحديث أخرجه مسلم (408)، وانفرَد به عن البخاري، وأخرجه أبو داود "كتاب الصلاة" "باب في الاستغفار"، وأخرجه الترمذي "كتاب الصلاة" "باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" (485)، وأخرجه النسائي "كتاب السهو" "باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" (1295).

شرح ألفاظ الحديث:

((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً))؛ أي: تعبَّد لله تعالى بلفظ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

((صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)): تقدَّم معنى صلاة الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن أصحَّ الأقوال فيها هي: ثناء الله تعالى على نبيِّه صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى؛ كما ذكَره أبو العالية، ورواه البخاري في صحيحه؛ [فتح الباري (8/ 532)]، وهي كذلك للعبد، فهي ثناءُ الله تعالى على العبد في الملأ الأعلى عشر مرات كلما صلى العبدُ على نبيِّه صلى الله عليه وسلم مرةً واحدةً.

من فوائد الحديث:

الفائدة الأولى: الحديث فيه مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا، ودلَّ الكتاب كما دلَّت السُّنَّة على مشروعية الصلاة عليه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


وتتأكَّد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواطنَ جاءت في نصوص أخرى؛ منها:

1- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في تشهُّد الصلاة، ويدلُّ عليه ما تقدَّم من حديث أبي حميد الساعدي، وحديث كعب بن عجرة، قال كعب بن عُجْرة: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: ((قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ))؛ متفق عليه.


2- بعد الأذان: ويدلُّ عليه حديث عبدالله بن عمرو أنه سمِع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمِعتم المؤذِّنَ فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا...))؛ رواه مسلم.


3- عند دخول المسجد والخروج منه: ويدلُّ عليه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أحدُكم المسجدَ فليسَلِّمْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهمَّ افتَحْ لي أبوابَ رحمتِكَ، وإذا خرج فليُسَلِّمْ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهمَّ أجِرْني من الشيطان الرجيم))؛ رواه النسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، والحاكم وصحَّحه.


4- الدعاء: ويدُلُّ عليه حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: "سمِع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته، فلم يُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عَجِلَ هذا))، ثم دعاه فقال له أو لغيره: ((إذا صلَّى أحدُكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثمَّ ليُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليَدْعُ بَعْدُ بما شاء))؛ رواه الترمذي وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي (3477).


5- بعد التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة: نقل ابن هبيرة الإجماع على هذا؛ [انظر: الإفصاح (1/ 190)].


6- يوم الجُمُعة: ويدُلُّ عليه حديث أوس بن أوس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجُمُعة، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه الصَّعقة؛ فأكثِرُوا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتَكم معروضةٌ عليَّ))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن حِبَّان، والحاكم والنووي، ومن الحُفَّاظ مَنْ ضعَّفَه وعلى رأسِهم البخاري، وعلى القول بتضعيفه، فلا تخصيص ليوم الجُمُعة.


قال المنذري عن هذا الحديث: "له عِلَّة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره، وغفل عنها من صحَّحه؛ [انظر: الترغيب والترهيب (1/ 491)، وفيض القدير؛ للمناوي (2/ 325)].


7- عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم: ويدُلُّ عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رغم أنف رجل ذُكِرْتُ عنده، فلم يُصَلِّ عليَّ))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي.


وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البخيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عليَّ))؛ رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي.


8- عند الاجتماع في المجالس: ويدُلُّ عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما جلس قومٌ مَجْلِسًا لم يذكُروا اللهَ فيه، ولم يُصَلُّوا على نبيِّهم، إلَّا كان عليهم تِرَةً، فإنْ شاء عذَّبَهم وإنْ شاءَ غفَر لهم))؛ رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي، والتِّرة: الحسرة والندامة يوم القيامة.


الفائدة الثانية: الحديث دليل على عِظَمِ فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكرم الله تعالى؛ إذ جعل بصلاة واحدة على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته جلَّ وعلا على العبد عشرًا، فيُثني على العبد في الملأ الأعلى عشر مرات، ويا له من فضل! ويا لها من غنيمة كيفًا وكمًّا! فما أكرمَ اللهَ تعالى! وعلى العبد أن يُكثِرَ من ذلك ما استطاع سباقًا لهذا الفضل.


قال ابن حجر رحمه الله: وقد ورد في التصريح بفضلها أحاديثُ قويةٌ لم يُخرِّج البخاري منها شيئًا، منها ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((مَنْ صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا ....))، وفي الباب أحاديث كثيرة ضعيفة .... وأما ما وضعه القُصَّاص فلا يُحصى كثرةً، وفي الأحاديث القوية غُنيةٌ"؛ [الفتح (11/ 167)].


قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "فأكثِر من ذلك وأبشِر بالخير، وليس هناك حدٌّ محدود، تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ما تيسَّر عشرًا أو أكثر أو أقل على حسب التيسير من غير تحديد"؛ [فتاوى ابن باز (11/ 209)].


وقال شيخنا العثيمين: "هذه نِعْمة كبيرة، فإذا قلت: "اللهمَّ صَلِّ على محمد"؛ يعني: أثْنِ عليه في الملأ الأعلى، أثنى الله عليك أنت عشر مرات، فاللهم لك الحمد، والمقصود الحَثُّ على كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"؛ [التعليق على مسلم (3/ 93)].


الفائدة الثالثة: الحديث فيه فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث رفع الله ذكره بهذا الفضل العظيم.



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/129243/#ixzz5gwofyTKV
لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات