الحكمة من تشريع الحج مرة واحدة في العمر

 الحمد لله.


وبعد : فنحن المسلمين نشعر بالشرف ، والفخر أننا عبيدٌ لله الواحد الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وأنه ربنا ولا رب لنا سواه ، ولذا فإننا نتلقى أوامر الرب الكريم ونحن في غاية الخضوع والتسليم لما يأمرنا به ؛ لأننا نعلم أنه هو الحكيم الذي ليس فوق حكمته حكمةُ أحد ، ونعلم أنه هو الرحيم الذي لا أحد أرحم منه سبحانه وبحمده ، ولذا  فنحن نحبه حبا يُلزمنا بطاعته فيما يأمرنا به ، ولو كان هذا الأمر فيه مشقة علينا ؛ فنحن نشعر بالفخر والسعادة والراحة ونحن نؤدِّي ما يأمرُنا به .


وإذا كان الإنسان إذا أحب إنساناً آخر فإنه يحب أن يخدمه ، وربما يسعد بذلك ، فما بالك بالرب الكبير العظيم الذي خلقنا ورزقنا وكل ما بأيدينا فهو نعمة منه سبحانه ـ وله المثل الأعلى  ـ فنحن مدينون لربنا بكل شيء ، فيجب علينا أن نسارع لكل ما يأمرنا به ، لعلنا نشكر شيئاً يسيراً جدّاً من نعمه العظيمة ، ولن نستطيع لكن الله الكريم بفضله الواسع يقبل منا أعمالنا القليلة ، ويجازينا عليها بالكثير .


فمثلًا : ( الحج ) : لو أنَّ مسلما أدَّى الحج على الوجه الذي طلبه منه ربه فإن الله وعده بأن يغفر له ذنبه ، ويدخله الجنة بشرط أن لا يفسد هذا العمل بارتكاب مخالفات عظيمة تغضب الله جل جلاله .


ومن زيادة رحمة الله بهذه الأمة ، أن الله جعل وجوب طاعته فيما يأمرنا به أو يأمرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم معلقاً بالاستطاعة ، فمتى كان العبد مستطيعاً قادراً وجب عليه أن يأتي بالأمر المطلوب منه وإلا سقط عنه ، وهو معذور ، قال تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا ) البقرة/286 أي : طاقتها ، وفي  " الحج " – خاصة - قال تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) آل عمران/97  .


ومن رحمته أن أوجبه على عباده مرة واحدة في العمر حتى لا يشق عليهم ، لكنه حث من كان لديه قدرة وطاقة أن يكثر من الحج والعمرة فقال صلى الله عليه وسلم : " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " رواه النسائي ( 2 / 4)  وهو حديث صحيح كما قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1200 ) .




وهذه العبادة العظيمة إنما شرعها الله لنعظّمه ونكبّره ونشكرَه على جميل نعمه ، وعظيم فضله ، فليس المقصود من الطواف بالكعبة هو مجرد الدوران على هذه الأحجار ‍! لا ، بل المقصود هو أن الله أمرنا أن نطوف بها سبعا فنحن نطيع الله ونطوف بها سبعا لا نزيد ولا ننقص بل نفعل ما أمرنا به ونحن نشعر أننا عبيد له أذلاء بين يديه فنكبره ونعظمه ونشكره أن شرفنا بعبوديتنا له عن كثير من بني البشر الذين يعبدون آلهة شتى، بل ربما يعبدون ذواتهم أو شهواتهم .


 وهكذا في جميع مناسك الحج ، بل في جميع العبادات التي  شرعها الله لنا ، فالحمد لله الذي شرفنا بهذا الدين العظيم .


ثم إن اهتمامك بالسؤال عن الحج وأنت بهذا السن يدل على حرص منك على المعرفة والتعلم ، فننصحك بمزيد التعرف على الإسلام والقراءة حوله وستكتشف بنفسك أنه دين الفطرة الذي يضع قدمك على الطريق الموصلة لرضا ربك العظيم ، الذي خلقك ورزقك فهو يستحق منك أن تعبده وحده دون غيره .


ولعل من المناسب أن تعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن أخاه نبيّ الله عيسى عليه السلام سوف ينزل في آخر الزمان وسوف يحج لهذا البيت العظيم وهو يعلن التوحيد لله سبحانه ، ونحن نؤمن أن هذا سيقع كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام ، كما نؤمن أن الشمس تطلع في وضح النهار ، قال صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا " رواه مسلم ( 1252 ) ، ومعنى ( ليهلن ) : أي : ليلبين بالحج أو بالعمرة أو بهما معا ، و( فج الروحاء ) : مكان بين مكة والمدينة.


نسأل الله أن يشرح صدرك للهدى .. آمين



المرجع

لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات