وقفة محاسبة مع نهاية السنة الهجرية



وقفة محاسبة مع نهاية السنة الهجرية
سرحان بن غزاي العتيبي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين القائل {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (5) سورة يونس وقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (62) سورة الفرقان والصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .

أما بعد / فها قد مضت سنة هجرية كاملة أو أوشكت على المضي ، طويت صفحاتها وانقضت ساعاتها ، وتصرمت لياليها وأيامها ، بأفراحها وأحزانها ومواعظها وعبرها ، مضت لتكون شاهدةً علينا بما أودعناه فيها من خيرٍ أو شر ، مضت ولن تعود إلى يوم القيامة ، غير أن ما عملناه فيها قد دوِّن وحفظه الكرام الكاتبين وسيعرض علينا في يوم القيامة كما قال تعالى {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (49) سورة الكهف

إن على المؤمن أن يقف مع نفسه فيحاسبها حساباً شديداً على كل أعماله ما دق منها وما عظم ، فيحاسبها على كل كلمة نطق بها أو سكت عنها ، وعلى كل هللةٍ أنفقها أو كسبها ، وعلى كل أمرٍ قام به أو تخاذل عنه .

إنها وقفة محاسبةٍ مع نهاية العام / أسأل نفسك يا عبد الله هل أديت الصلوات الخمس جماعةً في المساجد كما أمر الله ؟ أو كنت كمن قال الله فيهم {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } (59) سورة مريم ؟ هل صمت رمضان وحججت إلى البيت الحرام ؟ هل أديت زكاة مالك وكنت باراً بوالديك وصولاً لرحمك ؟ هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ؟ أم كنت ممن أضاع ذلك كله ، هل رحمت الأرملة وعطفت على المسكين ولم تأكل مال اليتيم ؟ هل تجنبت المحرمات ولم تعصي فاطر الأرض والسماوات ؟ أم كنت ممن يتساهل في الحرام ولا يتورع عن الإجرام ؟ اسأل نفسك هذه الأسئلة وغيرها ثم تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني )

إن العام المنصرم هو من أعمارنا بلا شك كما قال الحسن البصري رحمه الله : يا بن آدم إنما أنت أيامٌ مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك .. فكيف وقد نقص من العمر عام كامل واقتربنا من الأجل { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (34) سورة الأعراف المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والفقير والتاجر ، والمأمور والآمر ، كلهم على موعدٍ مع الموت كما قال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } (185) سورة آل عمران فها أنت يا عبد الله تقترب من أجلك لتنتقل من سعة القصور إلى ضيق القبور ، وهناك بين أطباق الثرى لا جليس ولا أنيس إلا ما قدمت من صالح العمل فمن كان من أهل الصلاح كان قبره روضةً من رياض الجنان وفسح له في قبره مد بصره وفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وريحانها ، ومن كان فاسداً معرضاً عاصياً كان قبره حفرةً من حفر النار يعذب فيه ويفتح له بابٌ إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ثم تقوم الساعة فيبعث الناس ليروا طريقهم إما إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض وإما إلى نارٍ وقودها الناس والحجارة ، فماذا قدمت يا عبد الله لهذا اليوم العظيم قال عليٌ رضي الله عنه : ألا إن الدنيا قد ولت مدبرة والآخرة قد أسرعت مقبلة ولكل واحدةٍ منهن بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وكان بن عمر يقول : إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك . وقال عليه الصلاة والسلام ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ) فنسأل الله العلي العظيم أن يستعملنا في طاعته وأن يجنبنا معصيته وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

من موقع صيد الفوائــد
لا تنس الصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

0تعليقات