السؤال
♦ ملخص السؤال:
فتاةٌ والدها متزوج من امرأة ثانية، وهي تعيش مع هذه الزوجة، وتتشاجر معها كثيرًا، وتسأل الفتاة: هل تحل زوجة الأب محلَّ الأم؟
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبي متزوجٌ مِن امرأةٍ لا أحبها، لديهما طفلةٌ عمرُها 3 سنوات، أوبخها وأغار منها، وأتشاجَر مع والدتها باعتبارها: "زوجة
أبي"!
ولذلك أسأل: هل تعدُّ زوجة الأب - وإن كانتْ قاسيةً معي أحيانًا - في مقام الأم بالنسبة لي ولإخوتي؟
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإنَّ إكرام زوجة الأب وصلتَها والإحسانَ إليها وتفقُّدَ أحوالها، والسؤالَ عنها، هو في الحقيقة صلةٌ للأب وبرٌّ به، بل إنَّ حقَّها لا يَقْصُر على حياة الأب، بل يمتد إلى ما بعد موتِه؛ كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه))؛ رواه مسلم.
وزوجةُ الأب بلا شك مِن أحبائه، وقد فرّع أهلُ العلم على حقوقها فأوجبوا النفقةَ عليها وعلى خادمها إن كان الأبُ عاجزًا عن النفقة عليها.
وهناك مسألةٌ هامة أُحِبُّ أن أُنَبِّهك إليها، وهي أن بعض الأبناء يظُنون أن الإحسان لزوجة الأب فيه جُحود لفضل الأم، أو نكران لجميلها على الأبناء، وهذا ظنٌّ خاطئ يدفع الأبناء لعدم الانسِجام مع زوجة الأب.
وحتى لو كانتْ زوجة الأب غير عادلةٍ فلا يعني هذا الإساءة إليها، بل الواجب مُقابَلة الإساءة بالقول أو بالفعل بالإحسان إليها، خصوصًا أن لها حقًّا، فإن قطعتكِ فَصِليها، وإن ظلمتْكِ فاعفي عنها، وعامليها بالقول اللين، وبركةُ تلك الأفعال تظهر في صلاح حالها حتى تصبحَ كأنها قريب شفيقٌ.
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، أي: لا يستوي فِعْل الحسنات والطاعات لأجْل رضا الله تعالى، ولا فِعْل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسانُ إلى الخلْقِ، ولا الإساءةُ إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها؛ ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]؛ كما في تفسير السعدي
(ص: 749).
أما غيرتُك مِن أختك الصغيرة، فينبغي عليك مجاهدة النفس في ترْكِها، والبُعد عن أسباب اشتعالها في قلبك، حتى لا يزدادَ المرضُ، ويتحوَّلَ إلى حقدٍ خبيثٍ، فاحذري، واسألي الله العافيةَ وأن يقلعَ الحسد من قلبك، حتى لا يبقى منه شيءٌ، وفي الحقيقة فإن ذلك الداء أول ما يؤذي صاحبه؛ وتأمَّلي قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 54]، فالحسدُ يذيب النفس، ويُذهب بفضائلها؛ قال الخليل بن أحمد:
"ما رأيتُ ظالمًا أشبه بمظلوم مِن حاسدٍ، نفس دائم، وعقل هائم، وحزن لائم"؛ شُعَب الإيمان (9/ 28).
وقال عبدالله بن مسعود: لا تعادوا نِعَم الله، قيل له: ومَن يعادي نِعَم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ يقول الله تعالى في بعض الكتب: الحَسُود عدوُّ نعمتي، متسخط لقضائي، غير راضٍ بقسمتي تفسير القرطبي (5/ 251). وحتى لو كان والداها يحبانها كثيرًا لكونها الصغيرة، فهذا شيء لا ذنب لها فيه، ولْتقرئي سورة يوسف بتأملٍ وتدبرٍ لتأخذي منها العبرة والعظة.
ولا يعني وجوب البر بزوجة الأب أن تكونَ في مقام الأم؛ فإنَّ منزلةَ الأم لا تُدانيها منزلةٌ، ولا يُشاركها فيها أحدٌ ولا حتى الأب، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الخالةُ بمنزلة الأم))؛ فالمعنى: يعني في حضانة الأبناء، كما نبَّه عليه شُرَّاح الصحيح وابن دقيق العيد في الإحكام؛ قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/ 506) شارحًا للحديث: "أي في هذا الحكم الخاص؛ لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد، لما دلَّ عليه السياقُ، وهو أصل في الحكم للخالة بالحضانة".
وفقك الله لفِعْل الخيرات
منقول من شبكة الألوكة